الرئيسية / المرأة / رؤية حول الأحوال الشخصية

رؤية حول الأحوال الشخصية

قضية الأحوال الشخصية قضية ممتدة لأكثر من ثلاثة عقود, بذلت فيها الجمعيات النسائية والأهلية الجهد الكثير قبل أن يلتم شمل هذه الجمعيات بالاتحاد النسائي ومن بعد ذلك بدأ التعاون الوثيق مع المجلس الأعلى للمرأة والذي كان هذا الملف من صلب اهتماماته منذ تشكل في العام (2001)

مضى هذا الملف بين مد وجزر ومنذ كانت أبواب المجتمع موصدة دونه وعلى رأسها الإعلام, عدا عن امتعاض رجال الدين في البداية من طرق هذا الموضوع الذي اعتبر شائكاً ومثير للبلبلة. لكن إيمان المرأة عبر جمعياتها ومؤسساتها العاملة بالمجتمع مكنها من أن تصمد أمام التحديات وتواصل طريق مهدت له بالعقلانية والحوار والانفتاح والاستعداد لنقاش كافة أوجه التحفضات والاعتراضات, وانخرطت في أنشطة عديدة من ندوات ومحاضرات ومنتديات عامة حرصت فيها على دعوة كل أصحاب الشأن, واعتبرت المجتمع بكافة فئاته أصحاب شأن.

تجاوب الكثيرين من النساء والرجال من المختصين والمهتمين والعاملين في الميدان سواء في مكاتب المحاماة أو المحاكم أو مكاتب الإرشاد وغيرها. وكذلك عموم المجتمع الذي تلمس امكانية تنظيم القانون لأمور التقاضي وضبطها وتخفيف المعاناة عن من يظل أسير قاعات المحاكم الشرعية لسنوات طوال.

جائت مصادقة  مملكة البحرين عام (2002) على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة أو السيداو (CEDAW) وهي معاهدة دولية تم اعتمادها في 18 ديسمبر 1979 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ووصفت بأنها وثيقة حقوق دولية للنساء. وقد دخلت حيز التنفيذ في 3 سبتمبر 1981.

التزمت مملكة البحرين منذ المصادقة على الاتفاقية بتنفيذ التزاماتها بأحكامها سواء على صعيد برامج التوعية بمواد هذه الاتفاقية أوعلى صعيد إعداد التقارير الرسمية الدورية بشأن متابعة تنفيذ مواد الاتفاقية. كما كان هناك تجاوب كبير من مملكة البحرين في إعادة النظر حول التحفظات على اساس سليم وقانوني، وقد تمت الموافقة على جميع البنود في الاتفاقية بما لا يمس أحكام الأسرة والأحوال الشخصية.

رغم كل الجهود التي بذلت على مدى السنوات من الجانب الأهلي والرسمي, إلا أنه جاء في دراسة لمركز البحرين للدراسات والبحوث أُجريت في (2004) بشأن تقنين أحكام الأسرة، بأن ما نسبته (41,2 في المئة) من البحرينيين ليست لديهم معرفة بالأحكام والمبادئ الأسرية المطبقة في المحاكم الشرعية، وكانت نسبة الإناث الأعلى مقارنة بالذكور (56,08 في المئة مقابل 43,92 في المئة) في تأييد إقرار قانون للأحوال الشخصية. ولقد استدعى هذا تكثيف حملات التوعية المجتمعية بأهمية صدور هذا القانون.

أخيراً وبعد جهود مركزة صدر قانون رقم (19 لسنة 2009) لقانون أحكام الأسرة (القسم الأول الشق السني) تتويجاً لنضال دؤب من قبل المرأة في القطاع الأهلي والرسمي. رغم إنه لم يحقق طموحها في (قانون موحد) ولكنه اعتبر بداية لتقنين الأوضاع الأسرية التي لم تخضع سابقاً لهذا.

ونتيجة غياب ( الشق الجعفري) من قانون أحكام الأسرة, استمرت معاناة الأسرة والمرأة في المحاكم.  ففي العام (2011) كانت هناك حوالي (3000) حالة طلاق للضرر لم يتم البت فيها في المحاكم الجعفرية.

و كان هناك الكثير من الحالات (إلى اليوم) والتي ترد للمحاكم ومخافر الشرطة، وتبين أن المرأة في مجتمعنا هي المتضرر الأول والأخير من القضايا العالقة بتفاصيلها في أروقة المحاكم الشرعية. هذه المعاناة في نهاية المطاف تفرز وضعاً أسرياً غير مستقر وتسبب إرباكاً وهدماً لمستقبل وحياة أفراد الأسرة بسبب وضع الانتظار الذي يطول في المحاكم الشرعية.

وبنظرة شاملة لنتائج الدراسات السابقة،  يتبين إن غالبية المجتمع تقر بوجود إشكالية كبيرة بانعدام تقنين أحكام الأسرة، وهم في الوقت نفسه لا يرتضون غير الاعتماد على الفقه والشرع الإسلامي مصدراً وحيداً لهذا القانون, وهذا ما يتفق عليه الجميع من أهل الاختصاص.

طبعاً كان الطموح في البداية (المطالبة بقانون أحوال شخصية مدني وموحد لأبناء الطائفتين) ولكن بسبب ظروف الواقع انخفض سقف التوقعات والطموحات للقبول بصدور (الشق السني من القانون) واستمرا العمل على التوجه العقلاني للتحاور مع المعترضين على إصدار الشق الثاني منه, آخذين بعين الاعتبار التصريحات لبعض رجال الدين (للشق الجعفري من القانون) من حيث «طرح البديل عن التقنين الوضعي باعتماد فتوى المرجعية العامة في النجف الأشراف مثلاً في أحكام الأسرة، ووضعها في لغة قانونية مع الحفاظ على مضامينها تماماً، وذلك بعيداً عن المجلس التشريعي، وأية مؤسسة تقوم مقامه في وظيفة التشريع، وتعتبر هذه الأحكام بعد أن تصب في لغة قانونية مدونة خاصة بالمحاكم الشرعية الجعفرية، على أن تكون خاضعة لتعديل المرجعية المعنية أو أية مرجعية عامة مستكملة للشروط عندما تأتي بعدها”.

فضلاً عن  تلك العريضة الرافضة للتقنين والتي وقعها ما يزيد على (60,000 شخص) في موقف كان فيه انفصام واضح من حيث تأثر واقع الأسر بسبب غياب قانون أحكام الأسرة من جانب ورفضهم للتقنين من جانب آخر.

مع إن تقنين الأحوال الشخصية محمي بنص دستوري وهو نص المادة (2) من الدستور التي أكدت ” أن دين الدولة الاسلام، والشريعة الاسلامية مصدر رئيسي للتشريع”.

وهو ما يقطع بعدم دستورية أي نص في التشريع بما فيه قانون الأحوال الشخصية يخرج عما هو مقرر في الشريعة الاسلامية. ولا تملك سلطة بما فيها السلطة التشريعية أن تقرر حكما مخالفا للشريعة الاسلامية، والتشريع يخضع لرقابة السلطة القضائية ممثلة في رقابة المحكمة الدستورية.

وهو ما يبدد أي تخوف بشأن تقنين قانون الأحوال الشخصية كما ان السلطة التشريعية بطبيعة الحال ممثلة في المجلس الوطني الذي يتألف من مجلس النواب المنتخب انتخابا حرا مباشرا من الشعب وهم جميعا مسلمون، ولا يجوز دستوريا وقانونيا تحرير أي قانون إلا من خلال السلطة التشريعية، فإن أعضاءها محكومون بتطبيق أحكام الشريعة الاسلامية.

وإذا كان هناك تخوف من أن تسري أحكام مذهب على مذهب آخر فإن من يملك وضع الضوابط الشرعية له هم علماء الشريعة الاسلامية في المذهبين وهم من يناط بهم وضع وصوغ تقنين قانون الأحوال الشخصية وهم من سيراجعون هذا القانون عند عرضه على البرلمان وفق الآلية المتفق عليها تحت اشراف ومظلة وزارة الشئون الاسلامية ووزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء.

وكما أسلفنا التخوف بالأساس ولازل في المذهب الجعفري رغم أن الجمهورية الإيرانية لديها تقنين لقانون الاحوال الشخصية وضع منذ أواخر العشرينات من القرن الماضي أبان حكم الشاه ولم يلغى هذا القانون أو يعدل في عهد الجمهورية الاسلامية التي تأخذ بالمذهب الجعفري الاثني عشري وذلك لمساهمة هذا القانون في استقرار حياة الأسرة الايرانية.

ختاماً قانون أحكام الأسرة (الشق الجعفري) عاد لنقطة الصفر، رغم القضايا العالقة في المحاكم، والتي إلى اليوم يحسم فيها قضاة الشرع من دون قانون، فقط بما يمليه عليهم ضميرهم, وتترك امور الأسرة بدون قانون مكتوب، وتعالج الحالات استناداً إلى الالتزامات الدينية والمذهبية وبحسب المرجعيات التي يرتئيها القضاة الشرعيون أو التقليد المتبع من أصحاب الشأن! وهذا يعتبر قصور في استكمال القوانين ونحن في القرن 21 وفي دولة والمؤسسات والقانون.

 للأسف لم يبتعد مشروع قانون الأحوال الشخصية يوما عن أجندة التحالفات السياسية وأدى هذا للتباين الواضح بين التيارات المختلفة من بين متفقون على التقنين ومعارضين له وبتشدد بأن أصبح القانون اليوم يقع أسفل الأجندة السياسية! بل ربما لا أثر له بها على الإطلاق.

قدمت هذه الورقة في “منتدى المرأة وآليات التغيير المجتمعي” من تنظيم مبادرة نقاش البحرين وجمعية الاجتماعيين بتاريخ 30 نوفمبر 2015 بجمعية المهندسين البحرينية 

هدى آل محمود باحثةphoto (9) حاصلة على ماجستير في علم الاجتماع الطبي من جامعة لندن. مديرة دار الأمان للمتعرضات للعنف الأسري و محاظرة في كلية العلوم الصحية بجامعة البحرين. عضو مؤسس في كل من جمعية أوال النسائية, و جمعية الاجتماعيين البحرينية. عضو لجنة الاحوال الشخصية, و الفريق الوطني لاعداد الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف الاسري ضد المراة, و الاتحاد العالمي للاخصائيين الاجتماعيين. لها مشاركات في دراسات اجتماعية و مهنية, و العديد من الابحاث المتعلقة بالمسنين و الطفل و الاسرة بشكل عام. @Huda_E_AL

الأراء المطروحة في هذا المقال تمثل أراء الكاتب ولا تعبر عن أراء منظمي نقاش البحرين

عن The Bahrain Debate

‏نقاش البحرين: مبادرة للحوار المدني تهدف لخلق مساحة للحوار والبحث عن الحلول The Bahrain Debate: an initiative for civil discourse

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>

إلى الأعلى