الرئيسية / المرأة / المرأة والمواطنة

المرأة والمواطنة

المواطنة  (كمفهوم) هي الانتماء إلى وطن في ظل حقوق للإنسان المواطن تؤدي له الدولة من خلالها الخدمات الضرورية التي يحتاج أداؤها لمؤسسات مختصة لا يستطيع الأفراد القيام بها ، وواجبات تقع على عاتقه يؤديها خدمة لوطنه. فالمواطنة إذن هي جدل بين حقوق وواجبات ولهذا فهي اتسمت بالشمولية والتداخل لأن حياة المواطن نسيج صعب وشديد اللبس تتنازعه مؤثرات اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية ، وتتجاذبه حاجات أساسية.

والمواطنة الحقة هي التي ينتصر فيها المواطن لانتمائه لوطنه على كل انتماء آخر أيا كان ذلك الانتماء قبليا أو طائفيا أو مذهبيا أو عشائريا ، وهو لن يكون إلا في جو تسوده الحرية وتزدهر فيه الديمقراطية والحوار العلمي والمعرفة وتقبل الآخر واحترام التعددية، والمواطن لا يمكنه أن يكون كذلك إلا في جو يوفر له القدرة على الاختيار وصنع القرار.

المرأة المواطنة:

وانطلاقا من هذا المفهوم, ارتبطت المرأة بشكل خاص بقضايا الحياة المهمة ارتباطاً طردياً يتناسب مع حجم وعيها بالحياة ورؤيتها للقيم وموقفها من المبادئ، واذا كانت مشاعر المرأة عموماً يوم كانت تابعة او مرتبطة بمشاعر الرجل مسؤولاً عنها اباً او اخاً او زوجاً وحتى ابناً, فأن هذه المشاعر بدأت مع حركات التنوير، تتحرر هي الأخرى من التبعية وتعمل تدريجياً على فك الارتباط المحكم مع الرجل ، ليكون للمرأة موقفها الخاص والمسؤولة عنه. وصل الأمر فيما بعد الى مرحلة صنع القرار, (أو القلة اللاتي وصلن لهذا المستوى) حيث أصبحت المرأة تقود أعمال وأمم وكان لها دور مؤثر في معظم قضايا العالم الكبرى.

انخرطت المرأة في الشأن العام واصبحت اليوم تضحي بحياتها  واستقرارها من اجل قضايا وطنها الكبرى, تأتت هذه المرحلة بعد اندماج  المرأة في الحركات الوطنية وتفاعلها معها وقيامها بدور بارز فيها في الوطن العربي بأكمله تتويجا لوعيها الذي صُقل بالتعليم والعمل لعقود طويلة.

ان قضية المرأة (المواطنة) لم تعد قضية شريحة في المجتمع ولا هي قضية منعزلة عن قضايا الوطن الكبرى ، بل أصبحت قضية الأمة بأسرها ، وتغيير الرؤية لهذه القضية سينعكس على مجمل الرؤى السياسية والاجتماعية والاقتصادية، كونها رؤية تتعلق بالقضايا الشاملة المطروحة للبحث على مستوى العالم كله وليس عندنا فقط .

ان أية قضية سياسية او اجتماعية او اقتصادية تتعلق بالمجتمع  كالحرية مثلاً لا يمكن أن تبحث بعيداً عن قضية المرأة التي تشكل عقدة مجتمعية على كل الأصعدة من الفرد إلى الأسرة إلى السلطة ولا يضاهي هذا الموضوع في تعقيداته الفكرية والعملية إلا قضية أزمة الحرية والديمقراطية في الوطن العربي.

أصبحت المرأة اليوم وببعض المكتسبات التي حصلت عليها (وفي ظل الهجمة الشرسة للإسلام السياسي) أحد حصون الحداثة وعاملا للرقي والنهوض بالمجتمع, على الرغم من استمرار وجود نسب عالية من الأمية (خاصة الأمية المعرفية) والبطالة والفقر وعدم تعزيز المساواة بين الجنسين في مجتمعاتنا.  إلى جانب سيطرة مجموعة من العادات والتقاليد التي لا تزال تكرّس الصورة النمطية للمرأة (خاصة بالمناهج الدراسية) ووجود بعض المواد التمييزية في القوانين / الجنسية والعقوبات والأحوال الشخصية التي تكرس  في بعض بنودها التمييز ضد المرأة.

مفاهيم المواطنة  ذاتها (في الغرب) تعرضت للنقد الشديد  ومن ضمنها (مواطنة المرأة) حيث إن هذه    المفاهيم قامت على أساس المواطن الذكر وأن التعاقد الاجتماعي رغم إنه قلل من أهمية خضوع النساء للسيطرة الأبوية القائمة على صلة الدم لكنه في نفس الوقت كرس ما أطلق عليه “اخوة الرجال” وليس كمفهوم محايد ينطبق على النساء كما على الرجال.

كما نظر لقضايا النساء سواء في الزواج، الطلاق، رعاية الاسرة والاطفال وغيره كقضايا تمس المجال الخاص والعائلي ولا تمس الشأن العام والمتعلق بالقضايا العامة وذات الاهتمام المشترك, لذا نظر لدور النساء في الرعاية والاسرة كمتطلب لدورهن في المجال الخاص ولا علاقة له بموضوع المواطنة.

كما تم انتقاد فكرة التعاقد الاجتماعي وهو المبني على افتراض ان جميع الافراد احرار ومتساوون, وقالوا إن هذا الافتراض مزيف نظرا لموافقة الدولة على عقود خاصة بين النساء والرجال (عقود الزواج) والتي تبيح للرجال التحكم والسيطرة على النساء.

بهذا الشكل اُعتبرت “فردية المرأة” منقوصة, فهي تعتبر فرد كامل الاهلية شكليا ليستوي تحقيق مفهوم مساواة الجميع امام القانون في المجال العام، بينما في المجال الخاص هي “لا فرد” حين تشرع عقود الزواج للسيطرة عليها.  كما انتقدوا الفصل بين المجال العام والخاص بحيث قدم الاول كمجال  للمساواة بين الجميع بينما في الواقع وبسبب الأبوية في المجتمع يسود عدم المساواة والتمييز ليس فقط في المجال الخاص ولكن في المجال العام ايضا (في مؤسسات الدولة، التعليم، الاعلام، وغيرها).

في عالمنا العربي تعاني النساء من غبن مزدوج فهن مقيدات، كغيرهن من الرجال، من التمتع بحقوقهن المدنية والسياسية الكاملة بسبب تسلط الدولة كما تعرفهن قوانين تلك الدول كقاصرات بحاجة الوصاية وحماية اقربائهن الذكور فيما يتعلق بالحقوق الاساسية المتعلقة بشخوصهن مثل الزواج، الطلاق، حضانة اطفالهن، العمل، السفر أو حتى تمتع اطفالهن بجنسياتهن, هذا يعني أن العقد الاجتماعي الساري على النساء العربيات مازال يقوم على مفهوم الابوية بالنسب ولم يصل بعد لمرحلة عقد “اخوة الرجال” المشار له سابقا أي أن النساء العربيات يخضعن فعليا لسلطة الذكور (الأب، الاخ، الزوج. الخ) وهو ما يعني أن الدولة لا تنظر للمرأة بعد كفرد وأن علاقة المرأة بالدولة والمجتمع ليست مباشرة ولكن يتوسطها علاقة النسب بالرجال الذين نظر اليهم “كأفراد” وكمواطنين نظرا لدورهم في رعاية ورئاسة أسرهم.

ايضاُ كثيرا ما يُذكر الدين الاسلامي، كغيره من الأديان، إنه داعم للأبوية ولهرمية السلطة بسبب تكريس مبدأ الطاعة (على سبيل المثال طاعة الصغير للكبير وطاعة النساء للرجال وإعالة الرجال للنساء وعودة المرأة للبس الحجاب والمطالبة بفصل النساء عن الرجال وعودتها للمنزل).

وبالتالي يُستخدم الدين ويُقنن كمعوق لتحقيق مواطنة تقوم على استقلالية الفرد وعلى مساواته امام القانون في المجال العام. كما يدخل الدين ايضا في تحديد القواعد الاخلاقية داخل العائلة العربية  وهو ما يكرس خضوع النساء ايضا في المجال الخاص وهو ما كرس تشابك البنى العائلية الابوية مع الاخلاق مع القانون الديني (المحاكم الشرعية)، الموثق من الدولة، كنظام عام يصعب الفكاك منه.

كما يرى البعض ايضا إن التفسيرات الدينية تعيق اصلا تكوين مفهوم للمواطنة يقوم على التعاقد الاجتماعي بين الافراد والدولة وبين الافراد وبعضهم البعض حيث ترفض بعض الحركات الاسلامية المعاصرة مثلا ان يكون التعاقد  (اصلا) مصدرا لشرعية الحكم  وتدفع بأن يكون إلهيا (القرآن) وليس بشريا  (كما يقول به الإخوان المسلمين).

إن نقطة الأساس والتي يتفق عليها الكتاب سواء إسلاميين ام علمانيين، هي أن الدولة العربية الحديثة ونخبها الحداثية، والتي اخذت الكثير من المبادئ والقوانين الغربية كواجهة حداثية دون استهداف إحداث تغيير عميق في العلاقات القائمة في المجتمع، قد تكون هي السبب الرئيس في تشويه وتثبيت ما أخذته من التراث الديني, وايضا في تشويه ما أخذته من التراث الغربي الليبرالي فيما يتعلق بمفهوم الحقوق والحريات في المواطنة وغيرها.

لذا جاءت النخب الوطنية الليبرالية في بداية القرن العشرين والتي طالبت النساء بالمشاركة في العمل الوطني, ولكن اقتصر مفهومها للديمقراطية على الرجال، اذ حرمت النساء من حق التصويت بينما اعطي هذا الحق للرجال.

على سبيل المثال كانت جيبوتي أول دولة عربية منحت المرأة حق العمل السياسي عام 1946م، ولكنها لم تمنح حق التصويت في الانتخابات إلا في عام 1986م. في لبنان مُنحت المرأة حق الترشيح والتصويت عام 1952م ولكن اول امرأة دخلت البرلمان دخلته في عام 1991م. وفي سوريا حصلت المرأة عام 1953م على حق التصويت والترشيح ودخلت اول امرأة سورية البرلمان عام 1973م. وفي مصر منحت المرأة حق التصويت والترشيح عام 1956م ودخلت البرلمان عام 1957. وبذلك تعتبر المصرية أول امرأة عربية تدخل البرلمان.

أما جزر القمر فجاءت بالمرتبة الخامسة إذ منحت حق التصويت والترشيح عام 1959 ثم جاء دور تونس، تلتها موريتانيا في عام 1961م، ولكنها لم تصل البرلمان إلا في عام 1975م. الجزائر منحت الحق في عام 1962م ودخلت الجزائرية البرلمان في نفس العام، اما المغرب فقد منح حق التصويت والترشيح عام 1963م ودخلت المرأة المغربية البرلمان عام 1993م، والسودان منح الحق عام 1964. وفي ليبيا منحت المرأة الحق عام 1967 ودخلت البرلمان عام 1990، أما الاردن فقد منح الحق عام 1974م ودخلت المرأة الاردنية البرلمان عام 1989م.  وفي العراق مُنحت المرأة حق التصويت والترشيح عام 1980 ودخلت البرلمان في نفس العام، في عمان منحت الحق عام 1994م وقد حصلت القطرية على هذا الحق عام 1998م. البحرين عام 2001 والكويت عام 2005 وخيراً السعودية في العام 2013 (بالتعيين).

لا نستطيع تناول حقوق المرأة السياسية دون الحديث عن التعليم الذي يعتبر مهم جداً للمرأة في الوطن العربي، وخصوصاً اليوم. يوضح الجدول التالي اسماء البلدان والنسب المئوية للمتعلمات في كل واحد منها:

الاردن

81,8%

قطر

81,2%

البحرين

80,7%

لبنان

78,5%

الكويت

77,5%

الامارات

76,8%

ليبيا

62,9%

السعودية

62,8%

سوريا

56,6%

تونس

55,8%

عمان

55%

جزر القمر

51,8%

الجزائر

47,7%

العراق

45%

السودان

41,3%

مصر

40,5%

جيبوتي

32,7%

المغرب

27,8%

موريتانيا

21%

في نفس الوقت كرست الحركات النسوية المرتبطة بأحزاب النخبة الحداثية، خطاب الامومة والانجاب والاسرة ولم تسعى تلك الحركات ان تميز النساء عن اسرهن عندما يتعلق الامر بحقوقهن وهويتهن كما عملت الحركات النسوية في اوروبا مثلا.

لذا جاء تسيس الامومة في الخطاب القومي كخطوة للأمام بالنسبة للنساء ولكن في نفس الوقت لم يتم الاعتراف بهن كأفراد. كذلك الامر بالنسبة للحركات النسائية التي انخرطت في المجال العام عبر العديد من الجمعيات الخيرية التي بالرغم من عملها الهام في مجال اخراج النساء، خاصة نساء الطبقات الوسطى، للمجال العام الا ان العمل الخيري في حد ذاته كرس النظرة السائدة للمرأة كأم وكمصدر للعطاء والحنان والرعاية وهو ما عنى في حينه توسيع دورها الاسري ومده الى المجتمع. لذا شكل العمل الخيري اداة وصل مقبولة مجتمعيا بين المجال الخاص والمجال العام دون تهديد لنظام النوع الاجتماعي السائد.

هناك أيضاً رأي متنامي بالمجتمع العربي وهو يستند على المواثيق الدولية , وبالرغم من أهميته في الضغط الخارجي على الحكومات العربية المختلفة لتأخذ بعين الاعتبار تحقيق مواطنة الانسان العربي بشكل عام والمرأة بشكل خاص الا أن هذا التوجه يحتاج الى توطينه محليا. اذ ان القوى الفاعلة في المجتمع المدني العربي، وهي بالأساس القوى الاسلامية، لا تنطلق من هذا المفهوم وان كان البعض لا يعارضه بقوة.

أن توطين خطاب حقوق الانسان والمواثيق الدولية يحتاج الى قوى فاعلة ومنظمة على مستوى القاعدة في المجتمع ليكون برنامجا لها سواء كانت تلك القوى احزاب سياسية أم حركات اجتماعية  أو مؤسسات مجتمع مدني مرتبطة بشرائح اجتماعية لها مصلحة في تحقيقه.

السؤال الهام، والذي لا يوجد له اجابة شافية حتى اليوم يتعلق:

 بكيف يمكن ادماج النساء وقضاياهن كجزء لا يتجزأ من مفهوم المواطنة, ولكن في نفس الوقت, الاعتراف بهن كنساء أي كجنس مختلف عن الرجال وهو ما يستتبع حقوق وواجبات مختلفة عن تلك المتعلقة بالرجال؟؟

هناك جملة من التحديات لمواطنة المرأة يمكن أجمالها بالاتي:

  • إمكانات المرأة في العمل السياسي ومكانتها في الأحزاب الوطنية ودورها في التنظيمات والجمعيات النسائية الفاعلة في الساحة. (ما هي نسبة مشاركة المرأة في الهيئات العليا ودوائر صنع القرار في مثل هذه المؤسسات؟)
  • وضع المرأة في الأسرة وعلاقته بأزمة الحرية والديمقراطية!
  • مصير قانون أحكام الأسرة – الشق الجعفري – نموذجاً بالنسبة للبحرين)
  • قانون مناهضة العنف ضد المرأة وبقائه لأدوار برلمانية حبيس الإدراج (لكونه ليس أولوية بالنسبة لقوى الإسلام السياسي في البحرين).
  • التحفظات على اتفاقية السيداو. ( في 18 نوفمبر 2013م مملكة البحرين سوف تبقي تحفظها على بعض بنود الاتفاقية وخاصة التي تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية فيما يخص بنود وضع المرأة بالنسبة للأسرة والأحوال الشخصية، كما أن التحفظ البحريني سيكون ثابتا ولن يتغير في البنود التي تمس سيادة الدولة. (المجلس الأعلى للمرأة)

فمثلا في المادة (2) من اتفاقية السيداو التي تستهدف القضاء على التمييز ضد المرأة والمادة رقم (16) بشأن اتخاذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كل الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية، وبوجه خاص تضمنها المساواة بين الرجل والمرأة، فلربما كان النظر في إمكانية إعادة صياغة تحفظ البحرين على هاتين المادتين من الاتفاقية ليقتصر التحفظ بشكل صريح فقط على البنود المتعلقة بوضع المرأة بالنسبة إلى الأسرة والأحوال الشخصية وبما لا يتعارض مع احكام الشريعة الاسلامية، هو أمر إيجابي ومتسق مع المجتمع البحريني وثقافته العربية والإسلامية.

الفقرة (2) من المادة (9) في اتفاقية السيداو والتي تنص على أن تمنح الدول الأطراف المرأة حقاً متساوياً مع حق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها، أنه لن يتم رفع أو تعديل صياغة التحفظ البحريني قبل إقرار تعديلات قانون الجنسية بتنظيم حق منح المرأة البحرينية المتزوجة من غير بحريني الجنسية لأولادها، وذلك حرصا من المجلس الأعلى للمرأة على احترام القانون البحريني.

كما أن الفقرة (4) من المادة (15) في اتفاقية السيداو والتي تنص على أن تمنح الدول الأطراف الرجل والمرأة نفس الحقوق فيما يتعلق بالقانون المتصل بحركة الأشخاص وحرية اختيار محل سكنهم وإقامتهم، فهذا أمر لا غبار عليه وقد تم رفع التحفظ البحريني لأنه لا يخالف الواقع الذي نعيشه جميعا في احترام حق المرأة في التنقل والسكن، باعتبار أن هذين الحقين مكفولان للمرأة طبقاً للميثاق والدستور وطبقاً لقانون أحكام الأسرة فيما يتعلق بحق السكنى.

  • قانون الجنسية المجحف بحق المرأة منح أطفالها جنسيتها.
  • استراتيجية إدماج المرأة العربية وتمكينها وتأهيلها لدخول سوق العمل.

إن التمييز في المواطنة وفكرة المساواة في الحقوق والواجبات وهو ما يشكل خطرا على حقوق النساء خاصة في ظل تنامي خطر القوميات والحركات الاصولية ونظم الحكم الاستبدادية.

خاصة في انتقال الكثير من الموضوعات من الخاص إلى العام كقضايا العنف الأسري واهمال الأطفال والاغتصاب وغيرها مما كان قبل عقدين أو اكثر شأناً أسريا ليصبح اليوم شأناً عاماً.

وقد تم اقتراح مفاهيم جديدة للمواطنة والذي ينظر للمفهوم ليس كقائمة حقوق وواجبات تحددها الدولة في علاقتها بمواطنيها,  ولكن كعملية متطورة، غير ثابتة تتحدد مخرجاتها بالتغيرات الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية والسياسية التي تمر بها المجتمعات ويلعب فيها الافراد والمجموعات دوراُ نشطا في مطالبة الدولة وتحقيق حقوقهم, وايضا تقديم واجباتهم تجاه الدولة والمجتمع.

هذا يعني أن محتوى مفهوم المواطنة نفسه غير ثابت ويحدد طبقا للإطار العام الذي يطرح فيه وطبقا لنوع المشاكل التي يراد بالمفهوم ان يحلها، كما تحدد مخرجات المفهوم حسب موازين القوى السائدة في المجتمع ما بين من يستفيد من طرحه بمكون معين وبين من يقاوم هذا الطرح لعدم استفادته منه.

تم مؤخرا انتشار مفهوم المواطنة النشطة في دول العالم الثالث، بما فيها العالم العربي. ليعني اشراك المواطنين في تقديم خدمات اساسية لمواطنيها، و تبيان قدر اكبر من التضامن الاجتماعي خاصة في ظل تنامي الفقر والبطالة.

هذه النظرة مثلا والمتبناة من قبل البنك الدولي تشجع تكوين شبكات دعم في المجتمع المحلي لتصبح مشاركة في تخطيط وتنفيذ مشاريع الدعم ومشاركة في اتخاذ القرارات بدلا من ان تكون متلقي سلبي للمساعدات الدولية. (اليوم الكثير من منظمات الأمم المتحدة تدعم هذا التوجه في مملكة البحرين). ساهمت المنظمات غير الحكومية في دعم هذا الشكل من النشاط خارج نطاق الدولة والاحزاب السياسية, ونظر للنساء كمحفز وفاعل رئيسي لخدمة المجتمع نظرا لكون النساء لا يسعين، مثل الرجال للانغماس في النشاطات التي تحقق صالحهن الشخصي وايضا لتغلغل العمل الاجتماعي في نفوسهن بسبب ادوارهن في العائلة.

لكن انتقد هذا الشكل من تحقيق المواطنة لأنه يقوم على افتراض ان عمل النساء الطوعي لخدمة مجتمعاتهن هو بمثابة امتداد طبيعي لعملهن في الاسرة، وان النساء لديهن متسع من الوقت، مقارنة بالرجال، للقيام بهذا الدور وهو ما اضاف اعباء كبيرة على النساء دون تقديم مقابل مجزي سواء لتطوير مهاراتهن لإيجاد فرص عمل او تقديم عمل او حتى تقديم رعاية لأطفالهن او أجر على ما يقمن به من خدمات.

اضيف تعقيد جديد على مفهوم المواطنة عندما توسع مفهوم الحقوق، بانتشار مفهوم القانون الدولي، ليمتد خارج نطاق الدولة القومية مما اضاف على مفهوم المواطنة معان جديدة لا تأخذ فقط البعد الوطني بعين الاعتبار ولكن ايضا البعد الدولي وهذا يفتح الباب واسعاً امام الاختلافات في مفهوم المواطنة وهو ما ينعكس ليس فقط على الاختلاف في معنى المواطنة وما تقره من حقوق ولكن ايضا الاختلاف في معناها لمن هم منضوون تحت لوائها.

ولكن بشكل عام يمكن القول ان جهود المنظمات الدولية وخاصة التابعة للأمم المتحدة أدت لدعم العديد من الحركات النسائية في العالم والى ممارسة العديد من الضغوطات على الحكومات المحلية للأخذ بعين الاعتبار قضايا تنمية المرأة وإحقاق حقوقها.

قد تتعدد الأسباب التي تدعو بعض الحكومات في العالم الثالث لإدخال خطاب داعم للمرأة في سياساتها فالبعض يفعل ذلك مكرها للانصياع لشروط بعض الممولين والبعض الآخر يفعل ذلك لإضفاء وجه حداثي على حكمه وبغض النظر عن دوافع الحكومات المختلفة في التوقيع على المواثيق الدولية الداعمة لحقوق المرأة الا أنه يجب الاقرار ان عقود المرأة المختلفة التي رعتها الأمم المتحدة أدت لخلق حالة من الوعي العام بضرورة الانتباه الى والعمل على تنمية وضع النساء. بعض الحكومات اضافت الى بيروقراطيتها اجسام مختلفة تعنى بشؤون المرأة  (المجلس الأعلى للمرأة) (وحدات تمكين المرأة بالوزارات).

 ولكن الخشية ان قواعد اللعبة السياسية في عديد من حكومات العالم مازالت تلعب في غير صالح النساء فتركيز السلطات في يد مؤسسات معينة في الحكم ورفض ادخال اصلاحات ديمقراطية عميقة مازال يشكل عقبات هائلة في وجه امكانية تأثير النساء على السياسات والقوانين من خلال العمل في مؤسسات الدولة, كما إن تشظي العمل النسائي في المجتمع (رغم وجود الاتحاد النسائي!) يجعل إمكانية توحيد الجهود لرسم استراتيجيات مؤثرة للتأثير على الدولة والمجتمع ليس بالأمر اليسير.

كما أن حصر جهود النساء في العمل من خلال منظمات غير ذات صلاحية والانكباب على مشاريع توعية وتدريب وتنمية للمرأة في المجتمع و(منعها من الاشتغال بالسياسة) قد يحمل مخاطر اخراج النساء من عالم السياسة الأوسع برمته كما يكرس الفصل بين المجال الخاص (النسائي) وبين المجال العام (الرجالي) وهو ما قد يعيق بدلا من أن يدفع عمليات التغيير الاجتماعي المرجوة.

ان تحقيق المواطنة التامة يستلزم عملية اصلاح اجتماعي شامل تكون حقوق المواطنة للنساء جزءا لا يتجزأ منها, ان فصل حقوق المرأة عن بقية حقوق المواطنة الاخرى (سياسية ومدنية) وإعاقة ربط الحركات النسائية  بالحركات الاجتماعية والسياسية المختلفة التي تسعى لتحقيق حقوقها ايضا يؤدي إلى خلل كبير في الحصول عليها.

أهم العناصر التي لا تساعد على تحقيق مواطنة كاملة للنساء في مجتمعاتهن تشمل:

  • نقص برامج مستدامة وثقافة سياسية تغذي وتدفع روح المساواة والديمقراطية المتضمن في المطالب النسائية بالمساواة.
  • ضعف الوعي العام للمواطنين بحقوقهم وعدم تشجيع المطالبة بها.
  • دمقرطة الاحزاب السياسية لجعلها اكثر قربا لمطالب النساء، وأن تتسم بالشفافية والمحاسبة والمصداقية لقواعدها الجماهيرية.
  • نقص او ضعف قواعد نسائية منظمة تكون في موضع قوة لإحداث التغييرات المطلوبة.
  • وجود مقاومة سواء على المستوى المؤسساتي او الافراد لدمج النساء في الحياة السياسية العامة ليكن موضع وهدف للسياسات العامة .
  • عدم تفعيل النصوص الدولية الحديثة والمعاصرة والتي صادقت عليها جل الدول العربية : مثل الاعلان العالمي لحقوق الانسان, والعقد الدولي للمرأة عام 1975 واتفاقية كوبنهاجن 1979 التي دعت الى ضرورة القضاء على جميع اشكال التمييز ضد النساء  (السيداو) وطالبت لهن بحقوق مساوية للرجل دون التمييز بينهما في جميع المجالات ووضعت آلية للإشراف على التزامات الدول الموقعة عليها الى غير ذلك من الحقوق الدولية والعربية.

 لكن يبقى امر مهم لابد من الالتفات اليه, ذلك ان العبرة ليست بسن القوانين بل بتطبيقها وكان نصيب المرأة من هذا التطبيق لا ينسجم ابداً وحجم الحقوق الكبيرة والمهمة الممنوحة في المواثيق الدولية ، لقد اصابها تقدم في التعليم وفي ممارسة الحق السياسي ترشيحاً وانتخاباً ومشاركة في قيادة بعض المؤسسات وبعض الوزارات ، لكن هذه المشاركة ظلت قليلة بالنسبة لنصف المجتمع ومحدودة ومهددة بالتراجع اكثر الاحيان.

لهذا فبدون تغييرات ديمقراطية عميقة سيكون من الصعب على الحملات المطالبة بحقوق المرأة وتحقيق مواطنيتها الكاملة أن تحقق مرادها.

لقد صار واضحاً اليوم ان تأكيد ذات المرأة وتعليمها وعملها لا يعني الانفصال عن الرجل بل يعني اثراء الحوار معه واضفاء الجمال على علاقتها به ، وان عملها واستقلالها الاقتصادي لا يعني تحطيم الروابط الاسرية بل يعني في الحقيقة اضفاء عامل القوة في بناء حياة الاسرة مادياً ومعنوياً ، ذلك إن المرأة والرجل هما ثنائية أساسية ومنسجمة وليست ثنائية ضدية قائمة على التنافس والتناقض ، وهذا ما يحمِّل الرجل مسؤولية تفهم الدور الذي سيقع على عاتقه مع المرأة جنبا الى جنب في التسريع بعملية التحرر .

من هنا فان تحقيق مواطنة المرأة لا يمكن ان تتم في فراغ ، وإنما تتأتى من خلال نضال سياسي تشترك فيه القواعد العريضة من الرجال والنساء فقد صار بديهياً ان قضية المرأة بكل ابعادها هي قضية سياسية وطنية من الدرجة الاولى لأنها ليست قضية نصف المجتمع حسب بل هي قضية المجتمع بأكمله ، قضية حياته ومستقبله وفلسفته ومواقفه من المستقبل وهي قضية تشكيل انسانه الجديد.

وختاما, كيف تتحقق المواطنة الكاملة للمرأة وهناك سيدات فقيرات وظروفهن تضطرهن للعمل وكما يحكي شعار وضعته الأمم المتحدة منذ عقدين (للفقر وجه امرأة) ولازال:

20% من الأسر في العالم بأكمله تعولها امرأة.

70% من الأميين في العالم نساء.

75% من فقراء العالم من النساء.

وهذا يعني أن وضع المرأة في العالم كله يحتاج الى دفعة قوية  وصدق نوايا وسياسات قوية وآليات مُفعلة عندها فقط نستطيع الحديث عن  مواطنة  حقيقية للمرأة.

أعدت هذه الورقة في يناير 2014 

هدى آل محمود باحثةphoto (9) حاصلة على ماجستير في علم الاجتماع الطبي من جامعة لندن. مديرة دار الأمان للمتعرضات للعنف الأسري و محاظرة في كلية العلوم الصحية بجامعة البحرين. عضو مؤسس في كل من جمعية أوال النسائية, و جمعية الاجتماعيين البحرينية. عضو لجنة الاحوال الشخصية, و الفريق الوطني لاعداد الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف الاسري ضد المراة, و الاتحاد العالمي للاخصائيين الاجتماعيين. لها مشاركات في دراسات اجتماعية و مهنية,و العديد من الابحاث المتعلقة بالمسنين و الطفل و الاسرة بشكل عام. @Huda_E_AL

الأراء المطروحة في هذا المقال تمثل أراء الكاتب ولا تعبر عن أراء منظمي نقاش البحرين

عن The Bahrain Debate

‏نقاش البحرين: مبادرة للحوار المدني تهدف لخلق مساحة للحوار والبحث عن الحلول The Bahrain Debate: an initiative for civil discourse

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>

إلى الأعلى