الرئيسية / المقالات / نحو مبادرة وطنية يشترك بها الأعيان والنخب

نحو مبادرة وطنية يشترك بها الأعيان والنخب

أعتقد بأن الوقت قد حان، وقد دخلنا العام الخامس منذ اندلاع الأزمة السياسية، للتفكير مليًّا فيما آلت إليه أوضاعنا على كافة المستويات، بعد أن استهلكنا كل الوسائل والأدوات الممكنة في تجاوز الأزمة. ليس المهم كيف وقعت المهم كيف ستنهض، وهذا ما يجدر بالبحرينيين أن يعوه ويفكروا فيه في هذه المرحلة التي تتطلب من الجميع استنفار كل الجهود لمناقشة الوضع الانساني والسياسي والاجتماعي والأمني المتردي لوضع المعالجات للمأزق الحالي.

استمرار الأزمة في اعتقادي مبني على تصور واهم يقول بأن المكتسبات التي كان الربيع العربي يَعدُ ويُبشّر بها لازالت قائمة، والصحيح أن انفجار الوضع قبل خمس سنوات على وقع صفعة البوعزيزي في تونس والتي اتسع مداها من التأثير إلى القاهرة واليمن وليبيا، ودمرت دمشق وشردت الآلاف (215 ألف قتيل ضحايا النزاع السوري في أربع سنوات)، وأحرقت بغداد وأرسلت آلاف العراقيين في توابيت إلى ضيق اللحود، واخترقت الخليج الذي اهتز ولم يتصدّع، ومرّت سحبه الداكنة كفصل خامس هجين من فصول السنة.

تقديري أن الوقت قد حان للتفكير بشكل جدّي في تحريك مبادرة ينهض بها الأعيان والنخب ويشترك فيها كبار العلماء بهدف البحث عن مخارج وحلول واقعية وممكنة مما نحن فيه، فتلك مرحلة مضت بكل أوجاعها ومراراتها، والمطلوب وقفة صادقة وصريحة مع النفس، تأخذ بنظر الاعتبار الحصاد المرّ الذي جناه البحرينيون بكل أطيافهم، وعلى المستويين الحكومي والشعبي.

ولا أدري ما إذا كانت هذه المبادرة فيما لو تمت ستقودنا إلى نتائج مرضية فيما لو صدقت النوايا، لكن الأكيد أن استمرار الوضع وفق الإيقاع الحالي مكلف وموجع للغاية، مكلف بالنسبة لقوى المعارضة وجمهورها كما هو مقلق ومنهك للحكم، وفي الواقع فإن هذا الصراع غير المتكافيء أشبه بالدخول في دوامة عبثية لا تنتهي، وليس له من هدف وغاية سوى استنزاف الخصم وتشتيت قواه وإضعاف قدراته وشل حركته، وما من مستفيد والكل خاسر والمتفرجون في العالم ما أكثرهم.

وكما أن قوى المعارضة في الداخل والخارج قد أصيبت بضربات موجعة أبرز أمثلتها الأعداد التي دخلت السجون، والتدابير الجديدة في التجريد من حق الجنسية، وتضييق سبل الحياة والملاحقات القضائية للنشطاء، والحصار الأمني للمناطق، وغيرها من إجراءات انعكس أثرها على حجم الالتفاف والتأييد الشعبي من القوى المجتمعية تجاه قوى المعارضة الذي انحسر بشكل أو بآخر، وأخذ التماسك الداخلي لبنية المعارضة (كيانات مؤسسية وجمهور) يضعف شيئاً فشيئاً ومعه يخبو الحماس في ظل غياب أي مؤشرات حقيقية باتجاه الحل أو مكاسب تلوح في الأفق. وحيال ذلك فإن سريان حالة من الإحباط والتساؤلات المشككة بدأت تخرج من حيز الهمس إلى فضاء النقاش شبه العلني، وحين أقول «الالتفاف الشعبي» فإنني لا أقصد التضامن النفسي والشعور بالمشاركة الوجدانية، فهو متحقق دون شك؛ ولقوى المعارضة مطالب محقة لا نشكك إطلاقاً بعدالتها، إذ يتوفر للمعارضة حاضنة اجتماعية ضخمة، ومن المستبعد أن يعاكسها الناس ويقفوا على الضد منها، خصوصاً من ضحايا الأحداث وهم فئة ليست بالصغيرة؛ إنما نتحدث عن مؤشرات واقعية ملموسة على الأرض تُرصد بوضوح في الفعاليات التي دأبت قوى المعارضة على تنفيذها منذ فبراير، مع تراجع الإيمان بجدواها وقدرتها على تحقيق الضغط السياسي المرجو.

وبموازاة ذلك، فإن مؤسسة الحكم بدورها، نالها من استمرار الغضب الشعبي والحراك الميداني ضرر بالغ دون شك؛ فالبحرين لازالت عنواناً بارزاً في نشرات الأخبار العالمية، وملفها الحقوقي مشوه ومثقل بصنوف الانتهاكات، وكلفة الاستنفار الأمني ليست رخيصة، والذي يجوب شوارع المملكة ليلاً لا يخرج بانطباع ايجابي حتماً وهو يرى قوافل مركبات الأمن في كل مفرق طريق وعلى حواف الشوارع الرئيسية، وقوات الأمن يتمركزون عند نقاط التفتيش التي لا تُحصى ويتصفحون وجوه المواطنين بكثير من الشك والارتياب. هذا أمر لا يُفرح قوى المعارضة ولا يُشرّف وجه البحرين.

كنت أتحدث قبل يومين مع صديق من مدينة جده بالمملكة العربية السعودية، قال لي صادقاً: «البحرين بلد جميل وشعبها من أرقى الشعوب الخليجية، لكن للأسف دمرته الطائفية»، ولست بحاجة لأقول أنني سمعت هذا الكلام في أكثر من بلد وعلى أكثر من لسان ولهجة.

أعتقد أن هناك ضرورة وحاجة ماسة للبدء في التفكير الجدّي بإحياء مبادرة وطنية يلعب فيها – بتفويض وقبول شعبي – أعيان الطائفة الشيعية والنخب المثقفة – من ذوي القبول الاجتماعي مع كبار علماء الدين لصياغة مشروع مصالحة وطنية تنقذ البلاد من أزمته الخانقة، وتعيد أجواء الثقة بين فئات المجتمع نفسه، وتعيد العلاقة إلى نصابها الصحيح بين القوى المجتمعية ومؤسسة الحكم، وهي خطوة لازمة تتطلب إحساساً عالياً بالمسئولية والشجاعة من القوى المجتمعية ومؤسسة الحكم على حدّ سواء.

wessam sebea pic

 

وسام عباس محمد السبع كاتب و إعلامي بحريني حاصل على ماجستير في الإعلام و العلاقات العامة من الجامعة الأهلية محرر صحافي في جريدة الوسط، للمزيد عن الكاتب إضغط هنا.

صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4574 – الثلثاء 17 مارس 2015م الموافق 26 جمادى الأولى 1436هـ

الأراء المطروحة في هذا المقال تمثل أراء الكاتب ولا تعبر عن أراء منظمي نقاش البحرين

عن The Bahrain Debate

‏نقاش البحرين: مبادرة للحوار المدني تهدف لخلق مساحة للحوار والبحث عن الحلول The Bahrain Debate: an initiative for civil discourse

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>

إلى الأعلى